فصل: الحديث العَاشِر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «الْوضُوء مِمَّا خرج».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن النَّادِر ينْقض، فَقَالَ: لنا ظَاهر مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الْوضُوء مِمَّا خرج» وَنَحْو ذَلِك. وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من حَدِيث الْفضل بن الْمُخْتَار، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما مَرْفُوعا: «الْوضُوء مِمَّا يخرج وَلَيْسَ مِمَّا يدْخل» وَسبب ضعفه: الْفضل بن مُخْتَار وَشعْبَة هَذَا.
أما الأول: قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مَجْهُول، وَأَحَادِيثه مُنكرَة يحدث بالأباطيل. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ الْبلَاء فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ لَا من شُعْبَة؛ لِأَن لَهُ أَحَادِيث مُنكرَة وعامتها لَا يُتَابع عَلَيْهَا. قَالَ: وَالْأَصْل فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مَوْقُوف.
وَأما الثَّانِي: فَقَالَ مَالك فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَة. كَذَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ عَنهُ، وَكَذَا عبد الْحق فِي أَحْكَامه، وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا قلَّة إنصاف من عبد الْحق؛ فَإِن مَالِكًا لم يُضعفهُ، وَإِنَّمَا شح عَلَيْهِ بِلَفْظ ثِقَة وَقد كَانُوا بهَا أشحاء. وَقَالَ البُخَارِيّ: إِن مَالِكًا تكلم فِي شُعْبَة هَذَا، وَيحْتَمل مِنْهُ- يَعْنِي من شُعْبَة- وَنِهَايَة مَا يُوجد لمَالِك فِيهِ أَنه قَالَ: لم يكن يشبه الْقُرَّاء. وَقَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَكَذَا قَالَ أَحْمد: ومُرَاد يَحْيَى بقوله: لَيْسَ بِهِ بَأْس أَنه ثِقَة، كَمَا نَقله عَنهُ ابْن أبي خَيْثَمَة. وَقَالَ السَّعْدِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا جدًّا فأحكم عَلَيْهِ بالضعف، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ وَلم أجد لَهُ أنكر من هَذَا الحَدِيث، وَلَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من الْفضل.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم. قَالَ: وَرَوَاهُ وَكِيع، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه ذكر عِنْده الْوضُوء من الطَّعَام- قَالَ الْأَعْمَش مرّة: والحجامة للصَّائِم- فَقَالَ: إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَإِنَّمَا الْفطر مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج».
قلت: وأخرجه شُعْبَة فِي مُسْنده، عَن أبي إِسْحَاق، عَن يَحْيَى بن وثاب قَالَ: «سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْوضُوء مِمَّا غيرت النَّار، قَالَ: لَا؛ إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، إِنَّمَا يدْخل طيبا وَيخرج خبيثًا». وَقد ضعف طَريقَة الرّفْع من الْمُتَأَخِّرين: عبد الْحق فِي أَحْكَامه، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه وَعلله» فَقَالَ فِي تَحْقِيقه بعد أَن ضعفه بشعبة وَالْفضل: وكَلَام ابْن عدي السالف إِنَّمَا يحفظ هَذَا الْكَلَام عَن ابْن عَبَّاس. كَذَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، وَنقل فِيهِ عَن النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِي شُعْبَة السالف: لَيْسَ بِثِقَة، وَهُوَ خلاف مَا نَقله عَنهُ فِي ضُعَفَائِهِ من قَوْله: «إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ» كَمَا أسلفناه.
وَقَالَ فِي علله: هَذَا حَدِيث لَا يَصح ثمَّ ضعفه بِمَا سلف قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَلّي بن أبي طَالب من قَوْله قَالَ: مُرَاده وَمُرَاد ابْن عَبَّاس ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار.
قلت: وَرُوِيَ أَيْضا عَن عبد الله بن مَسْعُود من قَوْله، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الثَّوْريّ عَن وَائِل بن دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَالصَّوْم مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج» ثمَّ ظَفرت بعد ذَلِك للْحَدِيث بطرِيق أُخْرَى مَرْفُوعَة لَكِنَّهَا واهية جدًّا رَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عبيد الله بن زحر، عَن عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أكل الْعرق وَأَتَاهُ الْمُؤَذّن فَقَالَ: الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ علينا فِيمَا دخل».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبيد الله لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَعلي مَتْرُوك.
وَقَالَ ابْن حبَان: عبيد الله يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَإِذا رَوَى عَن عَلّي أَتَى بالطامات. قَالَ: وَإِذا اجْتمع فِي إِسْنَاد خبر عبيد الله بن زحر، وَعلي بن يزِيد، وَالقَاسِم أَبُو عبد الرَّحْمَن لم يكن متن ذَلِك الْخَبَر إِلَّا مِمَّا عملته أَيْديهم.
قلت: قد اجْتَمعُوا هُنَا؛ فنسأل الله السَّلامَة. وَقَول الإِمَام الرَّافِعِيّ بعد إِيرَاد هَذَا الحَدِيث: وَنَحْو ذَلِك. أَرَادَ وَنَحْوه من الْأَدِلَّة، فيستدل لَهُ بِالْحَدِيثِ الْخَامِس «أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أوجب من الْمَذْي الْوضُوء» وَقد تقدم وَاضحا، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتَصر عَلَى هَذَا عوضا عَمَّا ذكره؛ فَإِنَّهُ حَدِيث ثَابت دون مَا اسْتدلَّ بِهِ لكنه تبع فِي ذَلِك بعض الْأَصْحَاب.

.الحديث الثَّامِن:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «العينان وكاء السه؛ فَإِذا نَامَتْ العينان اسْتطْلقَ الوكاء فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ».
هَذَا الحَدِيث ذكره الْمُزنِيّ فِي الْمُخْتَصر بِغَيْر إِسْنَاد، وَهُوَ مَرْوِيّ من حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة رَضي اللهُ عَنهما أما حَدِيث عَلّي فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث بَقِيَّة، عَن الْوَضِين بن عَطاء، عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن عايذ- بِعَين مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ ذال مُعْجمَة- عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْعين وكاء السه؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» هَذَا لفظ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد «وكاء السه العينان؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» وَلَفظ أَحْمد: «إِن السه وكاء الْعين؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» كَذَا هُوَ فِي مُسْنده وَكَأَنَّهُ مقلوب. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَيْضا فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث. والعقيلي فِي تَارِيخه كَمَا رَوَاهُ أَحْمد.
وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد، والدارمي فِي مسنديهما، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم، عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ: سَمِعت مُعَاوِيَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِنَّمَا الْعين وكاء السَّه؛ فَإِذا نَامَتْ الْعين انْطلق الوكاء فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ».
هَذَا لفظ الطَّبَرَانِيّ، وَلَفظ البَاقِينَ: «الْعين وكاء السه؛ فَإِذا نَامَتْ الْعين اسْتطْلقَ الوكاء». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق بَقِيَّة، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ مَرْوَان بن جنَاح عَن عَطِيَّة بن قيس، عَن مُعَاوِيَة «الْعين وكاء السه...» مَوْقُوفا، قَالَ: الْوَلِيد بن مُسلم، ومروان أثبت من أبي بكر بن أبي مَرْيَم.
وَالَّذِي يعل بِهِ حَدِيث عليّ أَمْرَانِ:
الأول: أَن فِي إِسْنَاده جمَاعَة تكلم فيهم؛ أَوَّلهمْ بَقِيَّة، وَهُوَ ثِقَة فِي نَفسه، لكنه يُدَلس عَن الْكَذَّابين وَقد أسلفنا كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب النَّجَاسَات فِي الحَدِيث الرَّابِع مِنْهُ وَاضحا.
ثانيهم: الْوَضِين بن عَطاء بن كنَانَة أَبُو كنَانَة الشَّامي، وَفِيه لين، قَالَ ابْن حزم: ضَعِيف. وَقَالَ السَّعْدِيّ: واهي الحَدِيث. وَقد أنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث نَفسه، وَوَثَّقَهُ جماعات.
قَالَ الدَّارمِيّ، عَن دُحَيْم: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَالح. وَقَالَ أَحْمد: مَا كَانَ بِهِ من بَأْس. وَفِي رِوَايَة: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سَأَلت عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا.
وثالثهم: عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ الْأَزْدِيّ الْحِمصِي، نسبه ابْن الْقطَّان إِلَى جَهَالَة الْحَال، وَهُوَ من الْعَجَائِب؛ فقد أرسل عَن معَاذ وَغَيره، وَرَوَى عَن أبي أُمَامَة وَكثير بن مرّة، وَرَوَى عَنهُ مَحْفُوظ وَنصر ابْنا عَلْقَمَة، وثور بن يزِيد، وَصَفوَان بن عَمْرو، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، كَمَا أَفَادَهُ الْمزي، وَذكره ابْن حبَان أَيْضا فِي ثقاته وَقَالَ: يُقَال إِن لَهُ صُحْبَة. وَذكره أَبُو الْحسن بن سميع فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة من تَابِعِيّ أهل الشَّام، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة ولَا يَصح.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: كَذَا حَكَى ابْن مَنْدَه عَن البُخَارِيّ؛ وَلم يذكرهُ فِي الصَّحَابَة فِي التَّارِيخ. وَقَالَ أَبُو نعيم: يُقَال إِنَّه أدْرك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة مُخْتَلف فِيهِ.
قلت: فَمن هَذِه حَالَته كَيفَ يكون مَجْهُولا، وَلابْن الْقطَّان من هَذَا الْقَبِيل نَظَائِر جمعتها فِي جُزْء مُفْرد، وَالله الْمعِين عَلَى إكماله.
الْأَمر الثَّانِي: الِانْقِطَاع بَين عبد الرَّحْمَن وَعلي. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله وَعلله: قَالَ أَبُو زرْعَة: عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ الْأَزْدِيّ عَن عَلّي مُرْسل. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل. قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ كَمَا قَالَ لَيْسَ بِمُتَّصِل، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد؛ وَهُوَ ضَعِيف، وَهُوَ دَائِما يضعف بِهِ الْأَحَادِيث، عَن الْوَضِين وَهُوَ واهي الحَدِيث؛ قَالَه السَّعْدِيّ. وَمِنْهُم من يوثقه عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة وَهُوَ ثِقَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، عَن عَلّي وَلم يسمع مِنْهُ.
قَالَ: فَهَذِهِ ثَلَاث علل سُوَى الْإِرْسَال؛ كل وَاحِدَة تمنع من تَصْحِيحه مُسْندًا كَانَ أَو مُرْسلا.
وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة رَضي اللهُ عَنهُ فَالَّذِي يعل بِهِ أَيْضا أَمْرَانِ:
الأول: حَال أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم، وَقد اخْتلف فِي اسْمه؛ فَقيل: بكر وَقيل: بكير وَقيل: عبد السَّلَام، وَقيل: عمر. وَهِي حَاله واهية، وَهُوَ كثير الْغَلَط؛ ضعفه أَحْمد، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَكَذَا يَحْيَى بن معِين. وَقَالَ مرّة:
صَدُوق، نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ وَجزم بِأَن اسْمه بكيرًا وَقَالَ السَّعْدِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار أهل الشَّام؛ وَلكنه كَانَ رَدِيء الْحِفْظ فَيحدث بالشَّيْء ويهم، وَكثر ذَلِك حَتَّى اسْتحق التّرْك. وَأورد لَهُ ابْن عدي جملَة مَنَاكِير، وَأما ابْن حزم فنسبه إِلَى الْكَذِب كَمَا سَيَأْتِي، وَلم أر أحدا نسبه إِلَى ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عِيسَى بن يُونُس أَنه قَالَ: لَو أردْت أَبَا بكر بن أبي مَرْيَم أَن يجمع لي فلَانا وَفُلَانًا لفعل- يَعْنِي يَقُول: عَن رَاشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحبِيب بن عبيد، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة قد رَوَى أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم عَنْهُم- فَانْتَفَى أَن يكون يقبل التَّلْقِين إِن كَانَ أَرَادَ ذَلِك- يَعْنِي أَنه يقبل التَّلْقِين- وَإِن كَانَ أَرَادَ بِهِ أَنه يروي عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فَهَذَا نوع مدح.
الثَّانِي: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا، وَقد أسلفنا أَن الْوَلِيد بن مُسلم رجحها عَلَى رِوَايَة الرّفْع؛ وَأعله ابْن حزم بِأَمْر ثَالِث فَقَالَ فِي محلاه: هَذَا حَدِيث سَاقِط؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة بَقِيَّة- وَهُوَ ضَعِيف- عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ مَذْكُور بِالْكَذِبِ، عَن عَطِيَّة بن قيس وَهُوَ مَجْهُول. انْتَهَى كَلَامه.
ونسبته عَطِيَّة بن قيس إِلَى الْجَهَالَة من الغرائب؛ فَهُوَ تَابِعِيّ مَشْهُور، أرسل عَن أبي بن كَعْب وَنَحْوه، وغزا مَعَ أبي أَيُّوب، وَرَوَى عَن مُعَاوِيَة وَطَائِفَة، وَقَرَأَ الْقُرْآن عَلَى أم الدَّرْدَاء، وَرَوَى عَنهُ سعيد بن عبد الْعَزِيز وَطَائِفَة، وَكَانُوا يصلحون مصاحفهم عَلَى قِرَاءَته، وَعمر دهرًا جَاوز الْمِائَة، وَرَوَى لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَعلم لَهُ الصريفيني فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ عَلامَة البُخَارِيّ أَيْضا، وَهُوَ كَمَا علم لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتشْهد بِهِ. وَنقل عَن أبي مسْهر أَنه ولد فِي حَيَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد تعقب ابْن عبد الْحق ابْن حزم فِي رده عَلَى محلاه، وَنقل عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ فِي حَقه: صَالح الحَدِيث.
قلت: وَوَثَّقَهُ ابْن الْقطَّان أَيْضا؛ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة وثقوه: مُسلم، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن الْقطَّان، وحالته كَمَا عرفتها؛ فَكيف يكون مَجْهُولا؟! وَله فِي محلاه أَيْضا من هَذَا النَّحْو عدَّة مَوَاضِع تعقبها عَلَيْهِ غير وَاحِد مِنْهُم شَيخنَا: قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَغَيره من شُيُوخنَا، وَللَّه الْحَمد. وَقد نَص عَلَى ضعف هذَيْن الْحَدِيثين أَيْضا غير من سلف: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنْهُمَا؛ فَقَالَ: ليسَا بقويين. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي استذكاره: وهما ضعيفان لَا حجَّة فيهمَا من جِهَة النَّقْل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: قَالَ أَحْمد- فِيمَا بَلغنِي عَنهُ-: حَدِيث عَلّي الَّذِي يرويهِ الْوَضِين بن عَطاء أثبت من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْبَاب، وَنَقله عَنهُ الْمجد فِي أَحْكَامه أَيْضا بِلَفْظ: أثبت وَأَقْوَى، وَمرَاده أَنه أثبت عَلَى علاته، وَنقل غَيرهمَا عَن عبد الله بن أَحْمد أَنه رَوَى حَدِيث مُعَاوِيَة وجادة فِي كتاب أَبِيه بِخَط يَده، وَقَالَ: أَظُنهُ كَانَ فِي المحنة قد ضرب عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث: هَذَا حَدِيث مَرْوِيّ من غير وَجه، لم يذكر فِيهِ: «فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» غير إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ، وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون عَن بَقِيَّة.
قلت: لَا؛ فقد تَابعه ابْن الْمُصَفَّى؛ كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه وحيوة بن شُرَيْح فِي آخَرين؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَسليمَان بن عمر الأقطع كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كلهم عَن بَقِيَّة، وخفف ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه القَوْل فِي أَمر حَدِيث عَلّي وَمُعَاوِيَة فَقَالَ: فيهمَا مقَال. ونحا نَحوه الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ؛ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: حَدِيث عَلّي حَدِيث حسن. وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي جمَاعَة وَفِي إِسْنَاده شَيْء، وَهُوَ- إِن شَاءَ الله- حسن، وَحسنه النَّوَوِيّ أَيْضا، وَلَا يخْفَى مَا فِيهِ.
فَائِدَة: السّه الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث- بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَكسر الْهَاء المخففة-: الدبر، وَمَعْنَاهُ: الْيَقَظَة. وكاء الدبر أَي: حافظة مَا فِيهِ من الْخُرُوج؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مستيقظًا أحس بِمَا يخرج مِنْهُ؛ فَإِذا نَام زَالَ ذَلِك الضَّبْط وَأَصله: سته، وَهُوَ العَجُزُ، وَقد يُرَاد بِهِ حَلقَة الدبر، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وَجعل مِنْهُ هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ «وكاء السِّت» بِحَذْف الْهَاء وبالتاء. والوكاء- بِكَسْر الْوَاو-: الْخَيط الَّذِي يرْبط بِهِ الشَّيْء.

.الحديث التَّاسِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من استجمع نومًا فَعَلَيهِ الْوضُوء».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ: الْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من اسْتحق النّوم وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح رَفعه.
وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَكَذَا قَالَ فِي خلافياته فِي الْمَرْفُوع أَنه لَا يَصح. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر... فَذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا استحد أحدكُم وَاسْتحق نومًا؛ وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» ثمَّ نقل عَن ابْن عدي أَنه قَالَ: لَا يرويهِ عَن عَوْف، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة غير الرّبيع بن بدر.
قلت: وَقد تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، ونصَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله أَيْضا أَن وقف رِوَايَة الأول هُوَ الصَّوَاب، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْجريرِي أَنه سَأَلَ خَالِد بن غلاق الرَّاوِي، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن اسْتِحْقَاق النّوم؛ فَقَالَ: هُوَ أَن يضع جنبه.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله عَلَى أَن النّوم من نواقض الْوضُوء، وَقد علمت حَالهمَا. ويغني فِي الدّلَالَة عَنْهُمَا حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال الْآتِي فِي مسح الْخُف- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- فَإِنَّهُ حَدِيث صَحِيح.

.الحديث العَاشِر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَاعِدا، إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِن من نَام مُضْطَجعا استرخت مفاصله» وَرُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْأَئِمَّة، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني- نزل فيهم فنسب إِلَيْهِم- عَن قَتَادَة، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله».
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه من رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن عبد السَّلَام. وَالَّذِي رَأَيْته فِي الْمسند من رِوَايَة ابْنه عَن غير أَبِيه. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بالسند االمذكور بِلَفْظ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر، ونام حَتَّى غط وَنفخ وَهُوَ ساجد- أَو جَالس- ثمَّ قَامَ فَصَلى؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِنَّمَا يجب الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِذا اضْطجع استرخت مفاصله».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسْجد وينام وينفخ، ثمَّ يقوم فَيصَلي وَلَا يتَوَضَّأ، فَقلت لَهُ: صليت وَلم تتوضأ وَقد نمت! فَقَالَ: إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا- زَاد عُثْمَان وهناد- فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بالسند الْمَذْكُور أَيْضا بِلَفْظ: «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يجب إِلَّا عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «لَا يجب الْوضُوء عَلَى من نَام جَالِسا أَو قَائِما أَو سَاجِدا حَتَّى يضع جنبه؛ فَإِذا وضع جنبه استرخت مفاصله».
قَالَ الرَّافِعِيّ عقب الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أسلفناها عَنهُ: ضعفه أَئِمَّة الحَدِيث. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ نقل فِي «أساليبه» إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَى ضعفه، وَنقل أَيْضا الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه: النَّوَوِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا وَمِمَّنْ صرح بضعفه من الْمُتَقَدِّمين: أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَرْبِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم.
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا» هُوَ حَدِيث مُنكر، لم يروه إِلَّا يزِيد الدالاني عَن قَتَادَة. وَرَوَى أَوله جمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس لم يذكرُوا شَيْئا من هَذَا؛ وَكَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَحْفُوظًا.
وَقَالَت عَائِشَة: قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «تنام عينايَ وَلَا ينَام قلبِي» قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس حَدثنِي رجال مرضيون.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمع أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس فِيمَا يَقُول عِنْد الكرب، وَحَدِيثه فِي رُؤْيَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مُوسَى وَغَيره. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل وَهُوَ مُجَلد مُفْرد بعد أَن ذكره بِلَفْظِهِ فِي جامعه إِلَّا أَنه ذكره بِلَفْظ «نَام» بدل «اضْطجع»: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّه لَا شَيْء، رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة، وَلَا أعرف لأبي خَالِد الدالاني سَمَاعا من قَتَادَة. قلت: أَبُو خَالِد كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: صَدُوق، وَإِنَّمَا يهم فِي الشَّيْء. قَالَ مُحَمَّد: وَعبد السَّلَام بن حَرْب صَدُوق. وَقَالَ فِي جامعه: رَوَاهُ سعيد، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة وَلم يرفعهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: تفرد بِهِ أَبُو خَالِد الدالاني، وَلَا يَصح.
قلت: لَهُ متابع لكنه ضَعِيف كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: تفرد بِهِ يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني. ثمَّ ذكر عَن التِّرْمِذِيّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من علله ثمَّ ذكر. عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي أَن قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا»: حَدِيث مُنكر. لم يروه إِلَّا الدالاني، عَن قَتَادَة، وَإنَّهُ ذكر هَذَا الحَدِيث لِأَحْمَد بن حَنْبَل فَقَالَ: مَا ليزِيد الدالاني يدْخل عَلَى أَصْحَاب قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يَعْنِي أَحْمد بِهَذَا: مَا ذكره البُخَارِيّ من أَنه لَا يعرف لأبي خَالِد سَماع من قَتَادَة، وَسَيَأْتِي مثل هَذَا، عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ مَعَ مَا فِيهِ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: لَعَلَّ هَذِه إِشَارَة إِلَى المحكي عَن البُخَارِيّ وغَيره من اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي السماع وَلَو مرّة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَا يُتَابع الدالاني فِي بعض أَحَادِيثه. قَالَ: وَلَا أعلم أحدا رَوَى هَذَا الحَدِيث غير عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة.
وَلما ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يُوجب حَتَّى تنام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله». تفرد بآخر هَذَا الحَدِيث: أَبُو خَالِد الدالاني، عَن قَتَادَة؛ وَأنْكرهُ عَلَيْهِ جَمِيع أَئِمَّة أهل الحَدِيث، ثمَّ ذكر كَلَام أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ السالفين. وَنقل عَن شُعْبَة أَنه قَالَ: لم يسمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: هِيَ قَول عَلّي فِي الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث لَا صَلَاة بعد الْعَصْر، وَحَدِيث يُونُس بن مَتى ثمَّ نقل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي أسلفناه عَنهُ وَأقرهُ، وَقد علمت مَا فِيهِ من المناقشة.
ثمَّ نقل عَن أبي حَاتِم بن حبَان أَنه قَالَ: فِي كتاب الْمَجْرُوحين ورَأَيْته فِيهِ أَيْضا: يزِيد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو خَالِد الدالاني، من أهل وَاسِط، كَانَ كثير الْخَطَأ، فَاحش الْوَهم، يُخَالف الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، حَتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ فِي هَذِه الصِّنَاعَة علم أَنَّهَا معمولة أَو مَقْلُوبَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا وَافق الثِّقَات؛ فَكيف إِذا انْفَرد عَنْهُم بالمعضلات؟!
وَقد غلظ أَبُو حَاتِم بن حبَان القَوْل فِيهِ وخطئ فِي ذَلِك. وَمُقَابل هَذِه الْمقَالة قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فِي آخر مُسْتَدْركه فِي آخر كتاب الْأَهْوَال: أَبُو خَالِد الدالاني الْأَئِمَّة المتقدمون كلهم يشْهدُونَ لَهُ بِالصّدقِ والإتقان.
وَتبع فِي ذَلِك أَبَا حَاتِم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يجمع حَدِيثه فِي أَئِمَّة الْكُوفَة، لم يخرجَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لما ذكر من انحرافه عَن السّنة فِي ذكر الصَّحَابَة. فَأَما الْأَئِمَّة المتقدمون؛ فَإِنَّهُم شهدُوا لَهُ بِالصّدقِ والإتقان. وَالْحق التَّوَسُّط فِي أمره؛ قَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَكَذَا قَالَه أَحْمد، وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ فِي تَرْجَمته عَلَى قَول أَحْمد هَذَا وَقَول ابْن حبَان السالف مُخْتَصرا، وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي، وَذكره ابْن شاهين فِي ثقاته، وَاقْتصر عَلَى قولة يَحْيَى بن معِين السالفة فِيهِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَفِي حَدِيثه لين، إِلَّا أَنه مَعَ لينه يكْتب حَدِيثه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: فَأَما هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ قد أنكرهُ عَلَى أبي خَالِد الدالاني جَمِيع الْحفاظ. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ من خلافياته. قَالَ: وَأنكر سَمَاعه من قَتَادَة: أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا. قَالَ: وَلَعَلَّ الشَّافِعِي وقف عَلَى عِلّة هَذَا الحَدِيث حَتَّى رَجَعَ عَنهُ فِي الْجَدِيد.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَلَو فرض استقامة حَال الدالاني جَمِيع الْحفاظ كَانَ فِيمَا علم من انْقِطَاع سَنَده واضطرابه، ومخالفته الثِّقَات مَا يعضد قَول من ضعفه من الْأَئِمَّة.
قلت: وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: ابْن حزم فِي محلاه فَقَالَ: هَذَا حَدِيث سَاقِط جملَة؛ وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فَقَالَ: إِن قَتَادَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أبي الْعَالِيَة، وَجزم بِهَذَا من الْفُقَهَاء القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي شرح الرسَالَة لَكِن ذكر صَاحب والكمال أَنه سمع مِنْهُ، وَقَالَ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه تفرد بِهَذَا الحَدِيث: عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد الدالاني، لَا أعلم لَهُ غَيره.
وَخَالف الْحفاظ كلهم: ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فرجح صِحَّته؛ فَقَالَ بعد أَن أخرجه من طَرِيق أَحْمد: وَفِيه مَا ناقشناه بِهِ مِمَّا سبق مستدلاً عَلَى أحد قولي إِمَامه؛ أَنه إِذا نَام عَلَى حَالَة من أَحْوَال الصَّلَاة نومًا يَسِيرا لم يبطل وضوءه، وَنقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه تفرد بِهِ يزِيد، عَن قَتَادَة، وَلَا يَصح وعَن ابْن حبَان: أَنه كَانَ كثير الْخَطَأ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، وأَن ابْن أبي عرُوبَة رَوَاهُ، عَن قَتَادَة مَوْقُوفا-: قد ذكرنَا أَن مَذْهَب الْمُحدثين إِيثَار من وقف الحَدِيث احْتِيَاطًا، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء. قَالَ: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ: لَا تصح: دَعْوَى بِلَا دَلِيل، وَقد قَالَ أَحْمد: يزِيد لَا بَأْس بِهِ وَرِوَايَة من وَقفه لَا يمْنَع كَونه مَرْفُوعا، فَإِن الرَّاوِي قد يسند وَقد يُفْتِي بِالْحَدِيثِ هَذَا كَلَامه، وَفِيه من التعسف مَا لَا يخْفَى، وَقد ذكر هُوَ فِي ضُعَفَائِهِ يزِيد بن خَالِد، وَنقل فِيهِ مقَالَة ابْن حبَان وَأحمد فَقَط، وَقَالَ فِي خطْبَة كِتَابه هَذَا- أَعنِي: الضُّعَفَاء-: إِنَّه قد يَقع خلاف فِي بعض الْمَجْرُوحين، فيعده بَعضهم من الثِّقَات، وترجيح أحد الْأَمريْنِ إِلَى الْمُجْتَهدين من عُلَمَاء النَّقْل، عَلَى أَن تَقْدِيم الْجرْح عَلَى التَّعْدِيل مُتَعَيّن. فقد نَاقض قَوْله بقوله، وَقَالَ أَيْضا فِي خطْبَة تَحْقِيقه: ألوم عِنْدِي مِمَّن قد لمته من الْفُقَهَاء جمَاعَة من كبار الْمُحدثين عرفُوا صَحِيح النَّقْل وسقيمه وصنفوا فِي ذَلِك، فَإِذا جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مَذْهَبهم بينوا وَجه الطعْن فِيهِ، وَإِن كَانَ مُوَافقا لمذهبهم سكتوا عَنهُ، وَهَذَا يُنبئ عَن قلَّة دين وَغَلَبَة هوى. هَذَا لَفظه، وَقد وَقع هُوَ فِيمَا عابه عَلَى غَيره، فضعف جمَاعَة فِي مَوضِع لما كَانَ الحَدِيث يُخَالف مذْهبه، ثمَّ احْتج بهم فِي مَوضِع آخر لما كَانَ يُوَافق مذْهبه، وَهَذَا الحَدِيث نَفسه قد ضعفه هُوَ فِي كتاب الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَالله الْمُوفق.
قلت: وَلَا ينفع مُتَابعَة جماعات ضعفاء يزِيد بن خَالِد هَذَا؛ فَإِنَّهُ قد تَابعه مهْدي بن هِلَال الْمُتَّهم بِالْوَضْعِ فَقَالَ: ثَنَا يَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَيْسَ عَلَى من نَام قَاعِدا أَو قَائِما وضوء حَتَّى يُضجع جنبه عَلَى الأَرْض».
قَالَ ابْن عدي بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق مهْدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى حَدِيثه ضوء وَلَا نور!
وَعمر بن هَارُون الْمَتْرُوك؛ فَرَوَاهُ عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بِهِ: «من نَام جَالِسا فَلَا وضوء عَلَيْهِ، وَمن وضع جنبه فَعَلَيهِ الْوضُوء».
وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر الْكذَّاب؛ فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بِهِ إِلَى قَوْله «عَلَيْهِ»، وقرّب ابْن عدي أَمر مقَاتل وَقَالَ: هُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.
وَرَوَى ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ: «كنت أخفق برأسي، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَجب عليّ وضوء؟ فَقَالَ: لَا؛ حَتَّى تضع جَنْبك».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ بَحر بن كنيز- أَي: بنُون مَكْسُورَة بعد الْكَاف ثمَّ مثناة ثمَّ رَاء- السقاء وَهُوَ ضَعِيف، لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: لَا يحل رِوَايَة هَذَا الحَدِيث إِلَّا عَلَى بَيَان سُقُوطه؛ لِأَن رَاوِيه بَحر بن كنيز السقاء- وَهُوَ لَا خير فِيهِ- مُتَّفق عَلَى إطراحه. وَمن المقالات الغريبة العجيبة جَوَاب ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه: أَنه إِن صَحَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فَمَعْنَاه- وَالله أعلم- لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع- يَعْنِي: فِي النَّوَافِل- قَالَ: وَيصدق هَذَا حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، وسنذكره عَلَى الإثر فِي الحَدِيث إِثْر هَذَا الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فَهَذَا يَعْنِي فِي النَّوَافِل وَصَلَاة اللَّيْل.